العصيان المدني

العصيان المدني

حقوق التاليف محفوظة للمؤلف

العصيان المدني  بقلم بير هرنكرين Per Herngren

من كتاب Path of Resistance

ترجمة  Dr. Zeki Aljazari

مقدمة

من الدروس الاولى التي تعلمتها في العصيان المدني كان عند ولادة اخي الصغير الذي جاءني كرزمة بريدية متوهجة الاحمرار في عيد ميلادي الثاني عشر‍‌, اذ في البداية رفضت حتى ان المس هذا المخلوق الهش الايل الى الانكسار ولكنني شئيا فشئيا بدات احمله بتحفظ وبعد فترة قصيرة بدات اجلس الساعات وديفد بين يدي مفتونا باصراره البرئ على تنفيذ مايشاء وبالطريقة التي يشاء وعندما لايرغب في عمل شئ فانه ببساطة يرفض ولا يساوم على هذا الرفض وهو ماكان مغايرا تماما لما كنت ابنا مطيعا جدا .

لا تسيئو بي الظن فانني لا اقصد انني لم اكن احتج فلقد كنت اصبح بشكل عنيف واصرخ واجادل ولكن عندما ينتهي هذا الاحتجاج والصراخ فانني انصاع في نهاية الاخر . كان هذا هو التباين بيني وبين اخي والذي ساعدني كثيرا في ان افهم بوضوح الاختلاف بين مفهوم المقاومة ومفهوم الاحتجاج .

فكلمة مقاومة اليوم تتسم بالنمطية ولهذا فمن المؤسف ان كل اشكال الحتجاج اصبحت تسمى مقاومة .

ان المقاومة هي عصيان وبالمقارنة يكون الاحتجاج اكثر قبولا اذ ان تاثيره ليس كتاثير المقاومة (  رغم ان الاحتجاج بالنسبة لنظام دكتاتوري يعتمد شكلا من المقاومة لانه عمل غير مشروع شانه شان المقاومة ) .

لم افهم معنى  التحدي في سلوك اخي الصغير الا بعد سنوات عديدة حينما كنت اقضي بضعة سنوات من عقوبة السجن بسبب قيامي بابطال مفعول احدى مكونات الاسلحة الذرية من خلال احدى انشطة بلاوشرز Blosharci  للمقاومة  . . .  قبل ذلك قرات بشكل عام وسريع كتب مارتن لوثر كنغ وانخرطت في دورات عديدة لاتعلم قدر ماستطيع عن العصيان المدني وعن النقاش الذي كان يدور حول هذا الموضوع كما اني اشتركت بعدة انشطة مقاومة ضد تصدير الاسلحة السويدية وكذلك ضد الاسلحة الذرية التي وضعها الاتحاد السوفيتي واوربا .

ولاجل الحصول على خبرة مباشرة وموقعية انتقلت الى الولات المتحدة .

لقد كنت حريصا على ان اتعلم كل ذلك حتى ادرك كم ان الطاعة والاذعان متاصلان بعمق في نفسي وكم هو صعب التغب على ذلك . ومن خلال نقلي الى عدة سجون في الولايات المتحدة خلال فترة سنة واحدة ادركت اهمية التغلب على الطاعة والاذعان من خلال التغلب على الذات . وحين واجهت ——- في ذاتي ادركت ان الروحيات ليس هو نشاط لقضاء الوقت وانما عمل مضني يتطلب اداء متواصلا طيلة حياة كل فرد منا . وعندما واجهت عواقب عصياني شعرت انني وضعت يدي على الاذعان القسري المفروض على ذاتنا .

في هذا الكتاب حاولت ان اكتب عن كيفية مقاومة الاذعان بطريقة عملية  خلال السنوات الاولى من حياتي وكما شاهدت ذلك من خلال تصرفات اخي الصغير , اعتقدت ان المقاومة ربما تكون رد فعل طبيعي ولكنني تعلمت ان اذعن واطيع من خلال تعاملي مع الناس الاخرين ومع ذلك اشعر اليوم بحاجة الى ان اتعلم كيف اتغلب على هذا الاذعان وهذا ماساتناوله في هذا الكتاب .

خلال مكوثي في السجن قررت ان اكتب كتابا عن العصيان المدني فجمعت عشرات من الكتب التي تتناول هذا الموضوع من الولايات المتحدة والهند . ابتداء كانت هذه الكتب تتحدث عن خبرات وتجارب رئيسية حول كيفية تنظيم وتنفيذ انشطة العصيان المدني ولكن اتضح لي انها لاتفي بالاغراض التي احاول ان اتوصل اليها في هذا الكتاب . هناك الكثير من التجارب في حركة اللاعنف التي يتناولها النشطاء في هذا المجال من خلال الاتصالات الشخصية والمناقشات ولم يكلف يكلف احد نفسه ان يكتب عن هذه التجارب . هذا الكتاب هو محاولة لتنظير التجارب الحديثة في حركة اللاعنف على الورق وساحاول ان اناقش فيه السنوات الاخيرة في تنظيم الانشطة الفعلية من خلال تكريس اجزاء من هذا الكتاب للحديث “مجموعة الاصدقاء” , “الانسحاب” , “التدريب” , الاشكال المتقدمة من الديقراطية . . . الخ . ان ايا من هذه المواضيع يحتاج الى كتاب كامل للحديث عنه ولكن مع هذا ساتناولها بشمولية اكثر من بقية الكتب التي تناولتها من قبل . ان هدفي من وراء ذلك هو القاء الضوء على مجموعة من المواقف والمسائل المهمة حول مؤازرة العمل من اجل اللاجئين , التضامن مع العالم الثالث , حماية البيئة , نزع السلاح , المطالبة بحقوق اكثر للمعوقين والنضال من اجل حقوق العمل . هذا الكتاب هو مناقشة حالة العصيان المدني من وجهة نظر معاصرة اذ تطور العصيان المدني  في الاونة الاخيرة واصبح مختلفا عما كان عليه سابقا بشكل يكاد يكون جذريا مستفيدا من تجارب الماضي . انه من المهم حقا ان تستمر حركة الغصيان المدني في التطور والا ستصبح ظاهرة سياسية هامشية .

يتالف هذا الكتاب من تسعة فصول . الفصل الاول يلقي الضوء على فكرة العصيان المدني في البلدان الديمقراطية والمتطلبات الاخلاقية للمقاومة اضافة الى تعريف العصيان المدني واهمية اللاعنف . اما بقية الكتاب فيناقش انشطة العصيان المدني ويركز بشكل خاص على العقوبات الاخلاقية والعملية وكذلك مواطن القوة في مراحل العمل من التحضيرات الى اختيار طبيعة النشاط الى المحاكمات والعقوبات المتوقعة لهذا النشاط .

الفصل الثاني يتناول نظرة عامة على التضيرات الضرورية قبل اي نشاط مثل تعيين مجموعة الاصدقاء ودراسة النشاط نفسه . يبدا الفصل باستعراض تاريخي وفلسفي لاهمية الصراع في خلق جماعة مقاومة واهمية هذه الجماعة في التخلص من اللخوف من العقوبات . ثم يتطرق الفصل الى مناقشة ديناميكية ومسؤوليتات مجموعة الاصدقاء وكيفية دراسة المعلومات المطلوبة لهذا النشاط او ذاك .

الفصل الثالث يتطرق الى الانواع المختلفة من العصيان المدني كحركة سانكتوري “sanctuary” وخبرتها مع حركة بلاوشيرز ”  Plowshares” في انشطة نزع السلاح . كما يتناول الاحتجاجات الصميمية وطريقة وضع المعوقات في طريق نشر الاسلحة الذرية او المواد المشعة . . . الخ .

الفصل الرابع يقدم وصفا لكيفية تنظيم النشاط ويركز بشكل رئيسي على امكانيات اجراء حوار في حالة الاعتقالات . والاستجوابات وقنوات الاتصال الاخرى .

تعتبر المحاكمات وما ينتج عنها من عقوبات من اهم النتاائج والعواقب المؤسفة للعصيان المدني ولهذا فقد كرست الفصل الخامس والسادس لمناقشة كل من هذه السلبيات على انفراد . المحاكمة توفر فرصا في اجراء حوار مع السلطات ولكن عندما ينتج عن هذه المحاكمة قرار حكم بالسجن او بالغرامة فعندئذ تبرز احتمالات اخرى للمقاومة .

الفصل السابع يشرح الوسائل الديمقرطية التي تنبع في حركة السلم والحركات البديلة وتطور المفاهيم الديقراطية وخاصة في السبعينيات والثمانينيات كما يتناول الفصل الخبرات الخاصة وانواع هذه الوسائل الديمقراطية مثل التوسط لحل الخلافات والتطابق او الوصول الى راي موحد في عملية صنع القرار . ان الهدف من وراء ذلك هو احباط التسلسل السلفوي والقمع .

اما الفصل الاخير فيقدم ارائي عن المستقبل والامكانيات التي توفرها حركة العصيان المدني .

واخيرا امل الا يعتبر ما يقدمه هذا الكتاب على انه تعليمات مفصلة عن الكيفية التي يتصرف بها النشطاء في موقف معين وانما هي مسؤولية القارئ في الافادة من هذه الخبرات  وتوظيفها في انشطة جديدة تؤدي الى تحدي اكبر للاذعان والطاعة العمياء .

الفصل الاول

العصيان المدني : طريق الى المقاومة

العصيان ظاهرة معروفة وقديمة ولكن العصيان المدني هو الظاهرة     الجديدة . اول من استعمل مصطلح العصيان المدني هو الكاتب الامريكي هنري ديفر ثوراو في مقالته المعروفة ” العصيان المدني ” المنشورة في سنة 1849. .بعد ان امتنع عن دفع ضرائب الحرب احتجاجا على العبودية والقمع والاضطهاد والتي استعملتها الولايات المتحدة في حربها ضد المكسيك . .  لم يكن الامتناع عن دفع الضرائب بالفكرة الجديدة وانما استعملها مناهضوا الاسترقاق واخرون . وكذلك استملها كارل ماركس حين حاول ان ينظم حملة لاقناع الاوربي بعدم دفع الضرائب خلال الثورة في اوربا عام 1848 .

ان مبدا الاصالة في فكرة ثوراو اصراره على امكانية المجتمع على الاستجابة0 كان ثوراو يرى العصيان المدني كوحدة متكاملة وحيث تكون العقوبة على الاقل بنفس اهمية الانشطة الخارجية عن القانون وهذا ماجعل العصيان المدني يتخذ شكلا خاصا من اشكال المقاومة. ان العقوبات او بالاحرى التغلب على ما تشيعه العقوبة من قوة هو الاساس في مبدا العصيان المدن .

يقول ثوراو ان مبدا المقاومة هو استيعاب الحق وتطبيقه وهذا مايجعله اكثر ثورية وفوق القانون . ان حكومة اي بلد تكتسب قوتها من خلال تعاون واطاعة مواطنيها فمثلا المهاتما غاندي الذي قاد النضال ضد الاستعمار البريطاني في الهند اوضح بشكل لا يقبل الشك ان العصيان المدني يقوض من سلطة الدولة الى حد بعيد اذ يقول لو ان الرجل يشعر انه ليس من الرجولة ان يطيع القوانين الجائرة لن يستطيع اي طاغية ان يستعبده. قول غاندي هذا يعود بنا الى العنصر الاساسي في فكرة ثوراو وهي ان المقاومة يجب ان توجه الى الناس المذعنين وليس ضد الحكومة التي تثير فيهم او تدفعهم الى عمل ماهو برايه عادل . ثوراو يعتقد ان المواطنين هم الذين صنعوا ويصنعون جماعة العصيان المدني ويعتقد ان اخلص المؤيدين للظلم والجور واخطر المعقين للاصلاح هم اولئك الذين  رغم انهم يعارضون السلطة يستسلمون لما تمليه عليها ويقدمون لها الولاء والدعم. كذلك يفترض ثوراو ان هناك الكثير ممن يستطيع ان يضع حدا للحرب والعبودية من خلال الانتقال من الافكار النظرية الى التطبيق الفعلي للعصيان المدني .

والمشكلة بالطبع هي ان اغلبنا من المطيعين ولكن حينما يقبل البعض بالنتائج والعواقب المترتبة على اداء انشطة العصيان المدني من عقوبات كالسجن والغرامات فان الاخرين عليهم تحدي القوانين والتعليمات الجائرة وعدم تطبيقها وبهذا حسب مايعتقد ثوراو فان واحدة من اهم العقبات نحو عالم عادل يمكن تجاوزها الا وهو تحدي  حاجز الخوف من العقوبات الشخصية الضيقة .

الديمقراطية والعصيان المدني

ظهر مفهوم العصيان المدني في ظل التقاليد الليبرالية والانسانية التي كانت تسود الانظمة الديمقراطية الغربية حيث كانت الاقليات والفئات المظطهدة تلجا الى العصيان المدني لاسماع صوتها كما امتد ذلك ليشمل الانظمة الدكتاتورية في دول العالم الثالث والانظمة الاشتراكية ذات الحزب الواحد . ان ديناميكية هذا المنهج ——–  اصلا على العنصر الاساس في المنهج الديقراطي الا وهو الحوار الذي يعتبر المحرك الفعال للغصيان المدني فكلما كان الحوار حول استمرار بانشطة العصيان في ظل نظام ديمقراطي فعال كلما كانت الفرص تزداد لقلب الانظمة غير العادلة . ان الحوار في صوره المختلفة هذه انما يؤكد مبدا جديدا في المقامة اكثر فعالية وتاثيرا من بقية اشكال المقاومة التقليدية المعروفى كالمقاطعة والاضرابات والمظاهرات والاحتجاجات التي , وان كانت ذات فاعلية مباشرة , تعتبر ادوات تستعملها الاحزاب السياسية للضغط على الفئة او الفئات السياسية الحاكمة.

ماهو دور العصيان المدني في النظام الديمقراطي ؟

يجيب جون راولز على هذا السؤال في كتابة ” نظرية في العدالة ” الذي يتفحص فيه دور العصيان المدني في نظام شبه عادل او تسود فيه العدالة الى حد كبير اذ يقول ” ريس من الصعب ان تبرر فيه العصيان المدني في نظام غير عادل اي نظام لا يتبع راي الاغلبية. ولكن حينما يكون النظام عادلا تبرز مشكلة الا وهي ان من يقوم بالعصيان المدني يصبح من الاقلية وتغدو عملية العصيان المدني وكانها موجهة ضد راي الاغلبية في المجتمع.

يعتقد راولز انه من غير الممكن ان تبرر عملية العصيان المدني ضد دين او مذهب معين او ضد اراء او افكار خاصة وانما يجب ان يحرك في المجتمع الشعور بالعدالة كما يفترض ان المواطنين في نظام شبه عادل يدركون ما تعنيه العدالة وبالتالي فان اي عملية للعصيان المدني تبدو وكانها بادرة من الاقلية ربما لايكون لها صدى الا  بمقدار ماتعنيه الى المواطن من شعور بالعدالة في مجتمعه.

ويؤكد راولز ان الامر متروك في النهاية الى الفرد نفسه ليقرر مااذا كان من المناسب ان يمارس العصيان المدني فكل شخص مسؤول عما يقوم به من انشطة في ضوء قناعاته وفهمه لمفهوم العصيان المدني ولكن هذا لا يعني بالضرورة اننا نتخذ مانشاء من قرارات وانما هي مبادئ اساسية يجب على المواطن التقيد بها والتي تشكل الاساس للنهج الديمقراطي الصحيح0 ومن هذا المنهج يعرف راولز العصيان بانه نشاط سياسي شعبي لا ——– ناتج مما يمليه الضمير ولكنه غير قانوني هدفه المباشر هو تغيير قانون جائر او قرار حكومي غير عادل0 انه نشاط موجه الى احساس الاغلبية بالعدالة ورسالته ان المبادئ التي على اساسها يتم التعاون بين الناس على انهم احرار ومتساوون قد تم تجاوزها. ويميز راولز بين نوعين من العصيان المدني0 العصيان المدني ” المباشر ” الذي يهدف الى تغيير القانون الذي تجاوزه النشطاء والعصيان المدني ” غير المباشر ” والذي يهدف الى تغيير القانون الامر الذي من اجله قام النشطاء بعملهم هذا.

التعريف الذي اقدمه في هذا الكتاب هو اكثر عمومية من تعريف راولز من ناحية واكثر تفصيلا من ناحية اخرى .

  • العصيان المدني هو نشاط شعبي
  • يعتمد اساسا على مبدا اللاعنف
  • انشطة العصيان المدني هي ليست قانونية وهي عبارة عن تحدي لامر ما او لقرار ما0
  • هدف النشاط المباشر هو ان يحافظ على ظاهرة معينة او ان يغير ظاهرة معينةفي المجتمع0
  • النتائج او التبعات الشخصية للنشاط هي الجزء المهم من الرسالة التي يوصلها هذا النشاط0

كلمة ” مدني ” صفة تتصل بالمواطن ولهذا فاول مايتبادر الى الذهن اولا الصيان المدني يعني عصيان المدنيين اي المواطنين ولكن في حركة اللاعنف فان كلمة ” مدني ” تعني عكس ما تعنيه كلمة عنف وهذا معناه ان الشاركين في اي نشاط للعصيان المدني انما اصلا يتصرفون بشكل مدني اي متحضر ويظهرون احتراما شخصيا للخصم واعني بكلمة الخصم المشارك في عملية النقاش والذي صمم نشاط العصيان ضده والذي يمكن ان يكون ممثلا للقانون او ماكا للشركة.

تعريفي للعصيان المدني اوسع من تعريف رولز بمعنى انه لا يشمل كما في تعريفه ضرورة الامتناع اذ انني مهتم بنشاط ذي ديناميكية سياسية خاصة ولهذا فلا اجد مبررا ان يتضمن التعريف شيئا عن نفسية الناشط او وعية اذ ان العصيان المدني هو عصيان مدني حبى ولو شارك فيه بعض الذين يساورهم شك ما في اهدافه0 وهذا هو حال المؤمنين باهداف هذا النشاط ايضا اذ انهم يبداون بحوار اثناء العملية عن مواطن الخطا او الصواب فيها.

هناك اختلاف اخر بين تعريفي وتعريف راولز للعصيان المدني وهو ان راولز يعتقد ان الاحتجاج او الاعتراض العفوي والنابع من ضمير الشخص يختلف عن العصيان المدني اذ يعتبر راولز دول يتحدى امرا او قرارا لاسبلب شخصية خاصة بضمير الشخص ومشاعره ولهذا يعتبره راولز بانه نشاط اخلاقي وشخصي وليس فيه دوافع سياسية كما هو الحال في العصيان المدني ولكنني اختلف مع راولز في ان الاحتجاج او الاعتراض الشخصي النابع من ضمير الشخص انما له نتائج سياسية ايضا في المكان او الزمان الذي يتم فيه ذلك الاعتراض او الاحتجاج ولهذا فانه ايضا جزء من العصيان المدني في حالة توفر المتطلبات الاخرى للعصيان المدني في ذلك النشاط المعين.

تبعا لقواعد العصيان المدني عادة لا يحاول المشاركون اخفاء وسائل انشطتهم عن السلطة وبهذا فانهم لا يحاولون تجنب النتائج او التبعات السلبية لهذه الانشطة. لذلك فانه مايعمله بعض النشطاء من كتابة شعار سياسي او رسالة ما ينوون ايصالها الى السلطة على حائط او جدار ما تحت جنح الظلام لا يعتبر نشاطا او جزء من العصيان المدني رغم ان ذلك قد يعطي نتائج سياسية مرضية.

قد يعتبر العصيان المدني عملا غير قانوني او غير شرعي تبعا لقوانين دولة ما وقد يعتبر قانونيا تبعا لقوانين دولة اخرى . فمثلا كانت افكار مارتن لوثر كنغ وحركة الحقوق المدنية لمقارنة القوانين العنصرية لولاية ما تجد ما يسند شرعيتها من فقرات في القوانين الفدرالية للولايات المتحدة0 حركة بلاوشرز مثل اخر لشرعية العصيان المدني اذ ان هدف هذه الحركة اصلا هو نزع السلاح فمن خلال الحاكمات التي جرت لبعض نشطاء في اعقاب بعض الانشطة في هذا المجال تبين ان هذه الانشطة هي اصلا قانونية بدليل ان النشطاء قاوموا بعصيان مدني ضد اسلحة كان القانون الدولي قد حرمها اصلا 0 وهذا ما يعطي حركة مبادئ ” نيميهبرغ ” التي تسعى لتحقيق نفس المبدا الشرعية اللازمة لانشطتها ايظا .

كان العصيان المدني دائما نشاطا سياسيا اذ انه يتجاوز الرغبات والاهتمامات الشخصية للمشاركين في انشطته ولهذا فان الكثيرين لا يعتبرون الانشظة الشخصية جزء من العصيان المدني ولكنني اعتقد مع ذلك ان الاهتمامات الشخصية تشكل في كثير من الانشطة اهدافا رئيسية لهذه الانشطة واسرد المثل التالي كدليل على ذلك:

صحت صديقة لي ذات صباح لتجد ان غرفة نومها محاطة بكتلة من الغبار بسبب ترميمات كانت الشركة المالكة تجريها لشقة مجاورة . رفضت هذه الصديقة نتيجة لهذا الازعاج الذي سببته لها الشركة ان تدفع ايجار الشقة وطالبت بتعويض في ضوء العقد المبرم مع الشركة. اذعن المالك لكل طالباتها ودفع لها التعويضات اضافة الى اعفائها من دفع الايجار لذلك الشهر .

رغم ان ماقامت به هو في عداد المسائل الشخصية لكن ذلك لا يزال في حدود حقوقها كمستاجرة ولهذا فانني اعتبر انها تجاوزت حقوقها الشخصية لتشخص حالة عامة لكل المستاجرين ولهذا فانني اعتقد ان ماقامت به هو جزء من الغصيان المدني 0 كانت وماتزال المقاومة الشخصية هي الوجه الاخر لعملة واحدة اي انها جزء من العصيان المدني ولكنها تعتبر اليوم كجزء من العصيان المدني في حالة الحرب ضد احتلال او انقلاب عسكري وهو مايجعل هذا النوع من العصيان القدس جزء لا يتجزا من العصيان المدني .

استعمل غاني مصطلح المقاومة السلبية لاول مرة وكان يعني مقاومة اللاعنف  وهو تعبير قد لايتفق اليوم مع ما كان يعنيه غاندي وقتها اذ ان كلمة سلبي لا تتفق مع تعنيه الحركة الان وقد تكون مغايرة تماما لذلك.

وكما اسلفت فان المقاومة تعني بالنسبة لي عصيان او رفض قاطع وهي فكرة واسعة قد تستوعب كل شئ ابتداء من الدفاع العسكري الى امتناع اخي الصغير من تناول وجبته المخصصة  0 ولهذا فان فكرة مقاومة هي ليست بالضرورة بالشئ المفيد دائما اذ قد تكون مضرة احيانا بل حتى انشطة اللاعنف ليست دائما ايجابية وكذلك الامر بالنسبة للعصيان المدني . اولئك الذين يعتقدون بان العصيان المدني دائما على حق يضعونه في الاعتبار الاول الوسيلة لتحقيق هدف ما ولا يولون اهتماما لرغبات الناس او احتياجاتهم .

واعصيان المدني شانه شان اي عمل اخر لا يمكن الحكم عليه من خلال هدف هذا النشاط او الغاية التي يسعى لتحقيقها اذ مهما كانت النتائج السياسية لهذا النشاط ايجابية او الوسائل التي تم التوصل من خلالها لهذه النتائج صحيحة لا يمكن مع هذا كل تبرير ما قد ينتج عن هذا العمل من نتائج سلبية على المواطنين .

الفرق بين العصيان المدني والمقاومة المباشرة

لا يقصد بالعصيان المدني كوسيلة للتاثير على الراي العام فحسب وانما يقصد به بالمقام الاول كوسيلة لتحدي الاخرين ليمارسوا العصيان المدني فالمقاومة وحدها لا يمكن ان تحقق هذا الغرض ولكن حينما يضاف اليها عنصر العقوبة تصبح حينئذ تحديا للاذعان والخضوع . من الطبيعي اننا لا يمكن اخذ الاراء دائما بخصوص العصيان المدني اذ ان هذا النوع من المقاومة انما هو وسيلة مفيدة يمكن استعمالها في قرائن تاريخية معينة ولانجاز اهداف معينة .

منظمة البيئة المسماة بالسلام الاخضر مثلا انها لا تتبع العصيان المدني رغم ان كثيرا من انشطتها هي غير قانونية فعندما يتعرض نشطاء السلام الاخضر لسفينة تحمل نفايا نووية واعاقتها من رمي هذه النفايا في البحر تكون النتائج المتوقعة هو التاثير على صانعي القرار بمساعدة وسائل الاعلام المختلفة ولهذا فان انشطة الخضر هذه يمكن اعتبارها مقاومة مباشرة .

المقاومة المباشرة تعني في الواقع ان الغاية تصبح الواسطة وهذا ما يمكن رمزيا وكمثل على هذه الرمزية ما قامت به حركة السلام الاخضر في السويد عندما قامت باعاقة جدية لتصدير السلاح في عام 1983 اذ كنا وقتها مجموعة من النشطاء غير منظمة تنظيما جيدا ولكننا مع ذلك استطعنا ان نعطل السفينة المحملة بالسلاح لمدة ساعة وبهذا استطعنا ان نبعث رسالة رمزية عن الهدف من وراء ذلك لكل من له علاقة بهذه الصفقة . المقاومة المباشرة تعني ايضا تسلسط الضوء على هدف معين ومن ثم العمل على تحقيقه فمثلا عندما مجمعة من التشردين ممن لا ماوى لهم بيتا انما نسلط الضوء على قضية المشردين وفي نفس الوقت تحقق هدفا من اهدافها وهو ايجاد سكن لهؤلاء المشردين .

معظم انشطة المقاومة المباشرة تتخذ الاسلوب الرمزي وذلك للتاثير على صانعي القرار وغيرهم فجماعة السلام الاخضر تعتقد انه من الممكن تحقيق نتائج مؤثرة بهذا الاسلوب فمثلا عندما ينام عدد من النشطاء على سكة حديد معترضين سير قطار محمل بنفايا نووية او اسلحة ذرية او يعترضون سفينة في عرض البحر انما يمنعون ذلك باجسادهم وبهذا فهم يصعبرون عن انفسهم وعن الاخرين ضرر هكذا مواد واسلحة وهذا يقودنا الى حقيقة انه لا مفر من الاستعمال الرمزي للعنف فمثلا قامت مجموعة من النشطاء المسيحين بربط انفسهم بالسلاسل ومن ثم ربطوا هذه السلاسل بابواب قواعد عسكرية معروفة في بريطانيا وهم بهذا لا يعنون بذلك ان يحققوا هذفا من وراء ما توحيه هذه السلاسل من عنف وانما كانوا ينوون ايصال رسائلهم الى الرائ العام البريطاني والعالمي .

نشا خلاف شديد في الولايات المتحدة في نهاية الستينيات بين مؤيدي المقاومة المباشرة واولئك الذين يؤيدون العصيان المدني وكذلك الامر في اوربا . هناك مجموعات في الحركة النسائية مثلا تعتقد ان محاولات ادخال عنصر التاثير الجسدي في المقاومة انما يقود الى عزل الكثير من النشطاء عن الحركة وبذلك يبقى فيها الصفوة المختارة فقط وهو ما يضعف حركة اللاعنف ويجعلها حركة ذات اهداف ضيقة ونشاط محدود . انتقادي الشخصي للمقاومة الجسدية هو ان هذا النوع لا يستعمل الا احداث تاريخية يحشد فيه الكثير من النشطاء الى درجة ان السلطات لا تستطيع معها ايقاف هؤلاء النشطاء فمثلا نحتاج الى الاف من النشطاء للاحتجاج الفعال على انتاج اسلحة فتاكة الامر الذي لم تستطيع عمله الى الان .

اذا وصلنا الى هذه الدرجة من تحشيد جماهير غفيرة من النشطاء في نشاط موجه سيكون عندئذ بالامكان تسخير العصيان لتعبئة المقاومة لاجراء حوار مع الخصم اذ يبقى مهم مع الخصم حتى في حالة تحشيد هذا العدد من الجماهير فالديمقراطية اصلا تستند بالاساس الى افتراض ان كل الاطراف المتخاصمة تجلس في نهاية المطاف الى المفاوضات والحوار والمناقشة وهكذا نكون قد رسخنا المبادئ والاسس الديقراطية للمقاومة.

من المخاطر الاساسية للمقاومة الجسدية الفعالة هو ان هذه الطرقة العالية من التكفير قد تسبب احباطا كبيرا لدى النشطاء في حالة تحقيق اهدافها وعندما تتسبب مجموعة من النشطاء في هذه المواجهة بالاساءة غير الضرورية للبوليس ستتحول هذه المقاومة ورموزها الى نشاط يفيد الخصم ويعزز من تصرفه ويبرر ما يقوم به من عنده وبذلك يحول ذلك دون انخراط اعداد اخرى من النشطاء الى هذا النوع من المقاومة عندما يتنافس النشطاء مع الخصم في استعراض للقوة بمعنى من هو الاقوى في هذه المواجهة ستتحول طبيعة المقاومة الى عكسها تماما وتصبح الواسطة هي الغاية وهذا ما ينشئ ارضية للعنف .

العصيان المدني يعتمد بالاساس على الاتصال والحوار المباشر مع مؤيدي السلطة الالموجه اليها النشاط 0 ولاجل ان يستمر الحوار يكون من الضروري جدا ان تستمر انشطة المقاومة  وعندما تكون النتائج ايجابية يتشجع الاخرون للانخراط فيها .

منهج اخلاقيات العصيان المدني

من خلال ما تقدم فان احسن ما يوصف به العصيان المدني هو انه عبارة عن حوار , حوار مع الخصم من خلال انشطة المقاومة ومحاكمات النشطاء وهو ايضا حوار مع المواطنين يستند على لبتحدي الذي تمثله العقوبات والمناقشة التالية تدور حول موضوعين الموضوع الاول عما هو ممكن وماهو غير ممكن والموضوع الثاني عما هو صحيح وعما هو خطا .

من خلال محاولاتي الاولى في العمل السياسي والحزبي وانا في سن المراهقة تعلمت كيف يتم الفصل بين ماهو صحيح وماهو ممكن ولكن تقاليد ومبادئ اللاعنف تقول عكس ذلك اذ انها مبنية اصلا على العلاقة الوثيقة بين القيم الاخلاقية وانشطة اللاعنف وهي علاقة كما اعتقد يشوبها الكثيلر من التعارض وعدم التجانس .

نسمح لانفسنا احيانا ان يتحكم الاخرون بتصرفاتنا وسلوكنا من خلال رؤيتنا وقناعتنا لما يمكن عمله ولكننا عند التطبيق يتاكد لنا ما اذا كان ذلك ممكنا او ما اذا كان يجب علينا ان نغير هذه القناعات ففي مفاوضات نزع السلاح مثلا يكون من البديهي ان السلطة او الحكومة هي التي تقرر ان الاسلحة يجب نزعها او تدميرها لكن عندما يبدا عمال المصنع نفسه مع نشطاء اخرين بابطال مفعول هذه الاسلحة او نزعها من خلال انشطة العصيان المدني تتغير نظرتنا لما هو ممكن او غير ممكن او من بامكانه فعلا ان يقوم بهذا العمل .

تفسيرنا ورؤيتنا التقليدية لما هو صحيح يتحكمان بسلوكنا الى حد كبير ولمن تطبيق عمل ما قد يؤكد هذه الرؤيا او قد يجعلنا ان نغيرها فاطاعة القانون وعدم تخريب الممتلكات مبدان اخلاقيان متجذران في ثقافتنا ولكن حين يقوم نشطاء البيئة بتفكيك مكائن والات مضرة بالبيئة في الوقت الذي يحمي فيه القانون هذه المعدات اي يحمي الاضرار بالبيئة وتخريب الطبيعة سيكون من المعقد جدا ان نفهم هذا التعارض بين القضيتين . وهكذا نواجه بالضرورة الملحة لزيادة فهمنا للفرق بين ما هو صحيح وما هو خطا.

لاجل مواصلة الحوار حتى لا يظل احد فريقي الحوار صامتا او محاصرا استعمل غاندي طريقة في المقاومة اشبه ما تكون بدرجات السلم . وهذا يعني ان الحملة تبدا اولا بالمفاوضات ثم تتصاعد الى الاحتجاج ثم الى المقاطعة ثم عدم التعاون مع السلطات ثم العصيان المدني . واذا لم يؤت هذا كله اي نتيجة فيجب الا يشعر المشاركون بالياس وانما عليهم ابتكار اسلوب اخر من المقاومة .

ففي مسيرة الملح الشهيرة عندما كسر الهنود قانون الاستعمار البريطاني وبداوا يستخلصون الملح من البحر سال احد الصحفين غاندي ماذا سيعمل لو ان السلطات لم تستجب لذلك اجاب :

” عندئذ ساصعد من الحملة ” .

ان استجابة الخصم جزء ضروري في المقاومة بغض النظر عما اذا كانت هذه الاستجابة على شكل تنازلات او ايداع النشطاء في السجن اذ ليس بالضرورة ان تكون هذه الاستجابة نهائية كما يدعي رجال المقاومة المسلحة حيث انها عبارة عن مجرد موقف وهذا الموقف قابل للتغير .. وهكذا حينما نفرض الاستجابة على الخصم انما نجر المجتمع كله من مسؤولين ومواطنين الى حوار مكثف .

من الضروري جدا ان يستمر هذا الحوار والا يتوقف بسبب توقف المقاومة بمستوى  معين او يتم تجاهله ورغم ان اصوات هذا الحوار قد تم تسكيتها من قبل الخصم , ي بقى الاذكياء والاقوياء هم في النهاية ممن يواصلون صعود السلم بخطوات اوسع . هناك نقطة مهمة لا بد لي من ذكرها وهي ان بعض النشطاء غير المتهيبين من السلطة قد يفسدوا الفرصة في استمرار الحوار وذلك من خلال حماسهم في دفع المقاومة الى الامام بشكل اسرع مما يجب وهكذا يجد النشطاء نفسهم محاصرين انما يعود ذلك الى هذا التسرع في تصعيد المقاومة ولذلك فان بعض الانشطة غير الناجمة يعود سبب فشلها الى الشعور بالاحباط لدى النشطاء ونفاذ صبرهم وتغلبهم ذلك على المحاولة المخلصة لانشاء جسور اتصال مع الخصم .

احيانا يبدو ان العصيان المدني الذي يقود الى عقوبات طويلة اقل اثارة للجدل من انشطة المقاومة التي تقود الى غرامات قليلة . هناك سببان لذلك فعندما يكون الخطر اقل بالنسبة للمشاركين يتركز الاهتمام على طبيعة النشاط نفسه بينما في الا نشطة الاقوى التي تكون فيها العقوبات اقسى يتركز الاهتمام على استجابة وموقف السلطات ويتزايد تساؤل المواطنين عن هذا الموقف –  طبعا مع افتراض ان النشاط المعني يمتلك المقومات الاخلاقية والاستمرارية . اما اذا لا تكون هناك نتائج قانونية مهمة يعمد النشطاء الى اثارة واستفزاز الخصم لاضفاء صفة الاقوى على موقفهم من موقف الخصم ولكنني اعتقد ان هناك اساليب اخرى لبذء حوار افضل بكثير من اثارة واستفزاز الخصم .

اخلاقيات منهج العصيان المدني .

العصيان المدني لا يضع احدا فوق القانون حتى عندما يكسر او يتجاهل نشطاؤه هذا القانون . فالمشاركون في اي نشاط للعصيان المدني لا يتسللون او يتهربون من عواقب او نتائج انشطتهم فالعصيان المدني هو عمل سياسي يواجه القانون ويطالب باستيعاب اكثر وممارسة افضل لمفهوم العدالة ولكن هذا الادعاء ليس اننا اصبنا كبد الحقيقة وانما هو نقطة البداية في حوار يؤمل منه الوصول الى قناعات واتفاق حيث هناك الكثيلر من مواطن النجاح في هذا الادعاء وخاصة فيما يتعلق بالحقوق المشروعة في الاضراب وحرية الاديان والمعتقدات.

في بعض الاحيان يصبح من الضروري ان تضع نفسك فوق القانون وعندما ستختار طريقة اخرى غير العصيان المدني ربما تكون اكثر فعالية , فعندما يتعرض اللاجئ في بلد ما للاضطهاد والانهار القسري مثلا عندئذ يصبح العصيان المدني غير مناسب لهذه الحالة . كذلك لا يمكن اعتبار اخفاء اللاجئين عملية انسانية لها نتائج سياسية الا حينما يعرض اللاجئون قضيتهم ويناقشوها بصورة علنية مع الجمهور عندئذ فقط يمكن اعتبار هذا النشاط جزء من العصيان المدني .

ماالذي يعطينا الحق لكسر القانون ؟

مطالبة الشخص بحقه في تلبية نداء الضمير قد يؤدي الى كثير من المشاكل اذ يعتمد ذلك على كيفية تعريفنا لهذا المفهوم فاذا كان ذلك يعني اقتناع في شخص بهذا المفهوم يصبح عندئذ تبريرا لاي عمل او نشاط يقتنع الشخص به بغض النظر عن طبيعة اهدافه والوسائل لتحقيقه . يبدا  ثوراو مناقشة للضمير والطريقة التي يمكن معها معرفة المسؤليات الاساسية للشخص تجاه الاخرين وعدم احقيته بالحاق اي اساءة او اي شكل من اشكال الظلم بهم . في كتابه ” فالد ” يؤكد  ثوراو على حقوق الحيوان وحقوق الطبيعة ايضا وبهذا فانه يرسي القواعد الاساسية لامكانية عمل اي نشاط للعصيان المدني في حدود فهمنا لما هو صحيح حقا كما يعتقد ان نشطاء العصيان المدني مسؤولون امام الحقوق حينما يعتقدون ان ما يعملون يضمن هذه الحقوق . كما يعتقد ان الضمير هو خارج حدود الاقتناع الشخصي للفرد . يمكن تفسير اراء ثوراو هذه على انها افكار ضمن ” المعرفة العامة ” لما هو صحيح وما هو خطا .

يعتقد غاندي ان الحقيقة مطلقة لكنه يدعي ان فهمنا للحقيقة قابل للتغيير . ليس هناك من معرفة مطلقة مما هو صحيح . الضمير هو حصيلة لخبرات الشخص ويتقرر في ضوء موقف تاريخي وقد يكون العصيان المدني تفسيرا متطرفا لقيم واخلاقيات المجتمع الحالي وهذه الاخلاقيات والقيم تختبر اثناء محاكمة النشطاء بمدى علاقتها لوجهة نظر الخصم ومواقفه . وبما ان انشطة العصيان المدني تتم بوضح النهار وامام الجمهور فانها تصبح تحديا للاخرين ليشاركوا في هذا الحوار . وهذا  ما يمنع النشطاء من تطوير مفاهيم اخلاقية خاصة بهم تؤدي بهم الى الانعزال .

لا يكون العصيان المدني موثرا وفعالا الا عند ما يبدو للاخرين اخلاقيا ولذلك فهو غير موثر ولا فعال عندما يستعمل لاغراض غير اخلاقية او بصورة ادق لاغراض يراها الاخرون غير صحيحة . من الطبيعي ان هناك اشكالا من العصيان المدني فعندما يضع بعض النشطاء العقبات امام امكانية اجراء حوار مع الخصم انما هم في الحقيقة يعززون موقفه ويزيدون من قوته وهذا ما نسميه باحوار السلبي اذ ان امكانية تفهم المواطنين للموقف المعني او اعطاء راي معين تقل بينما يزداد الدعم للخصم . اما اذا كان الامر بالعكس وكان الخصم هو البادئ في قطع الحوار لاسباب تكتيكية فسيزيد ذلك من امكانية خلق حوار بين النشطاء من جهة وبين المواطنين الاخرين من جهة اخرى . وهذا التطور شائع في هكذا موقف . . اذ حينما يشعر الخصم ان السكوت يقلل من قوته ومن تاثيره تزداد فرص استئناف الحوار المثمر بين الطرفين وهكذا فان سكوت الخصم يعتبر عنصرا اساسيا في هذا الحوار ولكن ذلك يجب الا يفهم بانه حوار سلبي ينتج عن قطع الحوار من قبل نشطاء المقاومة انفسهم .

وهكذا يتضح مما تقدم كيف ينسج العصيان المدني المنهجية مع الاخلاقيات الى درجة يصعب معها فصل احدهم عن الاخر .

مبدا اللاعنف

ليس الطريقة والاخلاقيات والمنهجية هي التي تتصل بعضها ببعض فقط اذ ان العصيان له ايضا علاقه مباشرة مع الطاعة والاذعان . فالعصيان المدني لا يتجاهل اطلاقا ما يكافح ضده . فالعصيان يستلزم اولا وجود حالة من الطاعة والاذعان اذ لا يمكن فهم الطاعة والاذعان اذا لم يكن هناك من يعصي ويتمرد وهكذا بالنسبة الى مبدا اللاعنف فله علاقة مباشرة بالعنف . اللاعنف هو عبارة عن رفض وتحدي ومواجهة . لذلك في الانظمة الديمقراطية الغربية لا نستطيع اعتبار توزيع النشرات والقيام بمظاهرة شكلا من اشكال اللاعف لانه ذلك لا يستلزم عنفا وفي نفس السياق لا نستطيع فهم العنف اذ لم يكن هناك من لا يمارس اللاعنف . قبل كل شئ لنرى ماهي المواقف التي يمكن ممارسة اللاعنف فيها وهي بتقديري ثلاث مواقف : اولا في انشطة العصيان المدني حيث يتوقع الناشطون ان يقبض عليهم ويودعوا السجن . ثانيا في وصف وايجاد الطرق السلمية للدفاع عن النفس تجاه العنف . وثالثا محاولة الشخص في تقليل العنف في منظمته الخاصة .

يعتقد غاندي ان كلمة ساتياكراها مكملة لمفهوم كبدا اللاعنف فكلمة ساتيا تعني الحقيقة وهي تاتي اصلا من كلمة ” سات ” التي تعني وجود . ” اكراها ” تعني التمسك بـ ” وهو يستعملها كمرادف ل ” قوة ” وبذلك فان الكلمة تعني بالكامل ”  قوة الحقيقة ” . يعتقد غاندي انه طالما لا يعرف احد ما تعنيه الحقيقة بالضبط فليس لاحد الحق في ان يفرض الحقيقة على احد بالقوة . كذلك تستعمل ” ساتياكراها ” بدلا من الصبر وبما ان الصبر تعبيرا عن تحمل ومعاناة طوعية للشخص فالعصيان المدني اذن هو جزء من ” الساتياكراها ” .

هناك استعمالات لمعنى او تعبير اللاعنف في عصرنا الحالي : بدون عنف ، او مقاومة ضد العنف . من المهم جدا ان يعلن مسبقا ان النشاط الفلاني سيجري بدون عنف اذ سيعطي المشاركين والبوليس على حد سواء شعورا بالامان . والعنف هنا يمكن ان يعرف بانه اي عمل ممكن ان يؤدي الى اضرار نفسية او جسدية وبضمنها اثارة حالة من الهلع . اذ يمكن للبوليس ان يستفز او يحرض على العنف عندما يندفع المشاركون في مظاهرة ما نحوهم ويطلقوا صيحات وعبارات استفزازية عليهم .

الانسان بطبعه ليس كاملا او مثاليا ومن الصعب ان يكون خاليا تماما من العنف . حتى فيما يتعلق بالعصيان المدني فنحن مثلا نستعمل السيارات والقطارات للتنقل والسفر ولكننا بهذا نسهم في دعم الشركات التي تتاجر بالاسلحة وبالتالي فنحن ندعم اضطهاد الكثير من شعوب العالم الثالث . وبسبب ذلك يبدو اكثر منطقيا لو استعملنا اللاعنف لمحاربة العنف نفسه وبهذا فاننا ندفع بالمقاومة للعمل في جبهتين جبهة محاربة الظلم وعدم المساواة في المجتمع وكذلك جبهة محاربة العنف داخل انفسنا وهذا ما نقره للحركة النسوية للمساواة مع الرجل بانتقادها لتقاليد حركة اللاعنف في السبعينيات اذ ترى هذه الحركة ان المقاومة هي نضال جماعي متبادل حتى بين افراد مجموعة المقاومة نفسها . وهذا اكثر فائدة من توخي طهارة وصفاء النفس قبل الاقدام على اي نشاط كما كان يفعل مارتن لوثر كنغ . المتحمسون لطهارة وصفاء النفس انما يخلقون بهذا طبقات روحية داخل المقاومة يستثني فيها اولئك الذين لا يشعرون بشكل خاص انهم يمتلكون هذه الطهارة وصفاء النفس في داخلهم . ان المقاومة تتطلب بدلا من ذلك ان يشعر المشارك انه امام موقف يثير فينا الياس والخوف وربما الانزعاج والمزاج العكر . وقد يكون مبررا القول بان المقاومة يسبقها وجع في المعدة اكثر من طهارة وصفاء النفس .

اللاعف . . لماذا ؟

هناك اسلوبان مختلفان لمناقشة مبدا اللاعنف : احدهما عملي والاخر اخلاقي . جينيه شارب ، الخبير في حركة شمال امريكا للمقاومة يقول ببساطة ان اللاعنف اكثر تاثيرا من العنف فالعنف يقود الى مزيد من العنف بينما اللاعنف يتصدى الى العنف . صحيح ان المقاومة ستتحمل خسارات حتى في الارواح ولكن هذه الخسارات ستكون اكثر بكثير لو ان العنف استعمل بدلا من ذلك . الراي الذي يعتبر اللاعنف اكثر اشكال المقاومة تاثيرا في مجتمعنا يتقبل احيانا استعمال العنف من قبل حركة العصابات المسلحة او العنف العسكري عندما يحيل البلد من قبل قوات غازية اجنبية .

يمكن ان ينظر الى اللاعنف من وجهة نظر اخلاقية ايضا فالبعض يفترض ان كل شخص له قيمة غير محدودة ولهذا فان كل شخص له قيمة غير محدودة ولهذا فان قيمة شخص واحد تساوي قيمة شخصين او الف شخص ولكن الكثير ممن يعتقد عكس ذلك اي ان قيمة شخصين هي اكبر من قيمة شخص واحد ولهذا فانه يمكن ان نضحي بشخص واحد ولهذا فانه يمكن ان نضحي بشخص واحد في سبيل انقاذ شخصين وهذا الافتراض مبني على ان قيمة الانسان محدودة وغير مطلقة رغم ان هذه القيمة عالية جدا في نظر اصحاب هذا الراي . اذ يعتقد هؤلاء ان تحديد قيمة الانسان بهذا الشكل يمكن ان تبرر تضحية انسان واحد في سبيل سلامة وامن مجتمع كامل .

ليس من المهم ان يكون اي من هذين الاسلوبين ، العملي  او الاخلاقي صحيحا فمبدا اللاعف هو حالة من حالات العصيان المدني ولهذا يجب ان ننظر اليه على انه تحديا اخلاقيا جديرا بالثقة ولكن هذه الثقة تكاد تبدو مستحيلة اذ هددت حركة المقاومة باستعمال العنف احيانا مما يخلق عند الناس حالة ذهنية من الهلع لا يستوعبوا معها هذا التحدي الاخلاقي وبهذا يصبح العصيان مصدرا للخوف بدلا من الثقة . اذ كان العصيان مصحوبا بالعنف فانه بذلك سيعزز قوة الخصم . وهكذا فان بعض الخبراء في الدفاع عن المجتمع الذين يؤمنون بانه من الممكن استعمال العنف مع المقاومة انما هم لا يفهمون معنى حركة العصيان المدني اذ كيف يقدم النشطاء قد قدحا من القهوة الى البوليس بعد ان قدموا له قطعة مسممة من الكيك في نشاط سابق.

……………..

ترجمة طلال اسماعيل

العصيان ليس أمرا جديدا ، ولكن العصيان المدني ظاهرة حديثة نسبيا. ومنذ حملات العصيان التي قامت في مطلع القرن العشرين في سبيل حقوقنا الديمقراطية فان هذا الطراز الخاص من العصيان ظل أمرا شبه منسي في السويد حتى مطلع الثمانينات.

وفكرة العصيان المدني هي في اصلها للكاتب والأديب ديفيد ثورو من أمريكا اللاتينية.

” رفضت أن أدفع ضرائبي الشخصية لمدة 6 سنوات “. كان على علم بان أموال الضرائب كانت توظف لقمع الهنود الحمر وتمويل الحملة الأمريكية على المكسيك، فرفض أن يدفع الضرائب والقي في السجن.

” في تلك الليلة أحسست وأنا اقبع في زنزانتي بأنني في عالم غريب وبعيد جدا لم أتوقع ان أراه في يوم من الأيام. “

وفي الصباح كان فاعل خير قد دفع الضرائب نيابة عنه ورغم إرادته ، فأطلق سراحه.

وفكرة الامتناع عن دفع الضرائب ليست بالفكرة الجديدة ، إذ سبق أن استخدمت من قبل ما يسمون بجماعة “النقض” أو “الإلغاء” في صراعهم ضد الرق والعبودية. كما حاول كارل ماركس تنظيم حملة مماثلة للامتناع عن دفع الضرائب إلى الحكومة الألمانية وذلك أبان ثورة 1848 في أوربا.

وتكمن أصالة ثورو في انه اعتبر العقاب جزءاً لا يتجزأ من أعمال الموجهة ذاتها. وقد تفصل في مناقشة هذه النقطة في كتابه “عن العصيان المدني” الذي نشر أول مرة عام 1949.

فالعصيان المدني عنده كل لا يتجزأ ، تكتسب فيه العقوبة أهمية لا تقل عن أهمية فعل العصيان المدني ذاته . وبذلك يتخذ العصيان المدني مفهوماً خاصاً وشكلا خاصاً من أشكال النضال.

أما بالنسبة للآخرين فيتخذ العصيان المدني معاني وأبعادا إضافية ، حيث يشمل كل أشكال الاحتجاجات والتظاهرات السلمية غير المصرح بها قانونيا. ولكن ثورو يضع إصبعه على نقطة في غاية الأهمية عندما يؤكد على مبدأ العقاب كأساس مهم للعصيان المدني. فهو يفترض ان الشخص الذي يعاقب جراء المقاومة يكون اكثر تأثيرا من الشخص الذي يقاوم دون أن يتعرض للعقاب.

والخطر لا يكمن في الحكومات أنفسها وإنما في تعاون الناس معها وطاعتهم لها بحجة إطاعة القانون. حتى غاندي يشير إلى هذه الطاعة العمياء عندما يقول ” لو أن الناس فهموا أنه ما من الإنسانية بشيء إطاعة قوانين جائرة وغير مبررة لما استطاع أية طاغية أن يضطهدهم “.‌

وهذه الأفكار تقودنا إلى قضية أخرى يحاول ثورو أن يبرزها، تلك هي أن مقاومته لما كان يراه فساداً في الحكومات لم تكن بالأساس موجهة ضد الحكومات أنفسها بل ضد الخانعين من الناس. ومثل هؤلاء الناس هم المادة الرئيسية والهدف الأساس لمفهوم العصيان المدني.

ويفترض ثورو أن هؤلاء الناس لو تأملوا في الأمر وأعادوا النظر في مصدر قوتهم ورفضوا الإذعان إلى القوانين الفاسدة التي تملى عليهم من فوق لتوقفت الحروب على سبيل المثال ولاختفى الرق . ولكن المشكلة هي إننا في الأعم الأغلب نميل إلى الطاعة وقبول الأمر الواقع في حين ينبغي علينا تحمل المسؤوليات والنتائج والامتناع عن تنفيذ القوانين والأوامر الجائرة والفاسدة . والانتصار على مخاوفنا من تحمل النتائج هو الخطوة الأولى.

وتلخيصاً لما تقدم يمكن تعريف العصيان المدني على انه عبارة عن :

  1. فعل عام ومكشوف
  2. مستند على مبدأ اللاعنف
  3. مناهض لقانون أو أمر أو قرار
  4. ذي أهداف اجتماعية وتضامنية وأخلاقية
  5. يكون لتحمل النتائج الشخصية دور أساس فيه
Scroll to Top